فصل: باب ما يجب من النذور في المشي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في الخيل والمسابقة بينها والنفقة في الغزو

968- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏ الخيل في نواصيها ‏(‏1‏)‏ الخير إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر في هذا الحديث الحض على اكتساب الخيل وفيه تفضيلها على سائر الدواب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأت عنه في غيرها مثل هذا القول وذلك تعظيم منه لشأنها وحض على اكتسابها وندب لارتباطها في سبيل الله عدة للقاء العدو إذ هي من أقوى الآلات في جهاده فالخيل المعدة للجهاد هي التي في نواصيها الخير وما كان معدا منها للفتن وسلب المسلمين فتلك كما قال بن عمر ‏(‏‏(‏خيل الشيطان‏)‏‏)‏ وقد استدل جماعة من العلماء بأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة تحت راية كل بر وفاجر من الأئمة بهذا الحديث وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه ‏(‏‏(‏إلى يوم القيامة والمجاهدون تحت راياتهم يغزون‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا في التمهيد‏)‏‏)‏ حديث أسماء بنت يزيد بن السكن عن النبي عليه السلام أنه قال ‏(‏‏(‏الخيل في نواصيها الخير معقود أبدا إلى يوم القيامة فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها فإن شبعها وجوعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها في موازينه يوم القيامة ومن ربطها فرحا ومزحا وسمعة ورياء فإن شبعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها خسران في موازينه يوم القيامة‏)‏‏)‏ وفي قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏الخيل معقود في نواصيها الخير‏)‏‏)‏ وقوله ‏(‏‏(‏البركة في نواصي الخيل‏)‏‏)‏ ما يعارض رواية من روى ‏(‏‏(‏الشؤم في المرأة والدار والفرس ويعضد رواية من روى ‏(‏‏(‏لا شؤم‏)‏‏)‏ وقد يكون اليمن في الفرس والمرأة والدار وسيأتي هذا المعنى في بابه من كتاب ‏(‏‏(‏الجامع‏)‏‏)‏ إن شاء الله وروى شعبة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ ‏(‏البركة في نواصي الخيل‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا إسناد هذا الحديث من طرق في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وذكرنا فيه أيضا حديث عروة بن أبي الجعد البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم‏)‏‏)‏ من طرق رواه الشعبي عن عروة البارقي وقد رواه عنه شبيب بن غرقدة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن شبيب بن غرقدة سمعه من عروة البارقي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏الخير معقود بنواصي الخيل‏)‏‏)‏‏.‏

قال شبيب فرأيت ذلك في دار عروة بن أبي جعد سبعين فرسا رغبة منه في رباط الخيل وحديث جرير قال ‏(‏‏(‏رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرس بأصبعه ويقول ‏(‏‏(‏الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة‏)‏‏)‏ قوله عليه السلام ‏(‏‏(‏يمن الخيل في شقرها‏)‏‏)‏ وقوله ‏(‏‏(‏خير الخيل الأدهم الأقرح‏)‏‏)‏ وروي عنه ‏(‏‏(‏أنه كره الشكال من الخيل‏)‏‏)‏ ومعناه أن تكون منه ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة أو تكون الثلاثة مطلقة والواحدة محجلة وقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏عليكم بكل كميت أغر محجل‏)‏‏)‏ أو ‏(‏‏(‏أشقر أغر محجل‏)‏‏)‏ ‏(‏‏(‏ أو أدهم أغر محجل‏)‏‏)‏ وقد ذكر هذه الأحاديث أبو عبد الرحمن النسائي وغيره وذكرنا منها في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ ما فيه كفاية‏.‏

969- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وأن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ لم يختلفوا عنه في إسناده واختلفوا عنه في بعض ألفاظه وقال بن بكير سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى عند مسجد بني زريق وخالفه جمهور الرواة منهم بن القاسم وبن وهب والقعنبي فرووا ‏(‏‏(‏من الثنية إلى مسجد بني زريق‏)‏‏)‏ وفي ألفاظ نافع والرواة عنهم اختلاف كثير تراه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ إن شئت وترى هناك صحة ما رواه مالك من ذلك إن شاء الله روى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل فأرسل ما أضمر منها من الحفياء إلى ثنية الوداع وأرسل ما لم تضمر منها من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق وأن بن عمر أجرى فرسا فاقتحم به فرسه في جرف فصرعه وفي هذا الحديث من الفقه جواز المسابقة بين الخيل وذلك مما خص وخرج من باب القمار بالسنة الواردة فيه وكذلك هو خارج من باب تعذيب البهائم لأن الحاجة إليها تدعو إلى تأديبها وتدريبها وفيه أن المسابقة بين الخيل يجب أن يكون أمدها معلوما وأن تكون الخيل متساوية الأحوال أو متقاربة وأن لا يسبق المضمر مع غير المضمر والحفياء ومسجد بني زريق وثنية الوداع مواضع معروفة بالمدينة ومعروف ما بينها من المسافة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال محبوب بن موسى قال حدثنا الفزاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر قال سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت فأرسلها من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع قال الفزاري قلت لموسى كم بين ذلك قال ستة أميال أو سبعة وسابق بين الخيل التي لم تضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بني زريق قلت فكم بين ذلك قال ميل أو نحوه قال وكان بن عمر ممن سابق فيها‏.‏

وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا موسى بن هارون الحمال قال حدثنا أحمد بن حنبل وأبو خيثمة قالا حدثنا عقبة بن خالد‏.‏

وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عقبة بن خالد قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية قال أبو عمر روى هذا الحديث جماعة عن عبد الله بن عمر على نحو ما رواه مالك وغيره ولم يقل فيه أحد ‏(‏‏(‏إنه فضل القرح في الغاية‏)‏‏)‏ إلا عقبة بن خالد فإن صح ففيه دليل على أن التي أضمرت من تلك الخيل كانت قرحا والله أعلم وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه كتب إلى عتبة بن غزوان وكان يومئذ أمير البصرة في أبان ضمروا خيلهم لينحروها فإن ادعيته أو تأخذ في ذلك برأي عمر وكتب إليه في ذلك مجاوبة بإباحة ذلك وقال في كتابة أن أرسل القرح من رأس مائة علوة ولا يركبها أربابها وقد ذكرنا الخبر بتمامه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏‏.‏

وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب فإن مالكا قال سبق الخيل أحب إلي من سبق الرمي قال ويكون السبق على الخيل على نحو ما سبق الإمام فإن كان المسبق غير الإمام فعل كما يفعل الإمام ولا يجب أن يرجع إليه شيء مما أخرج في السبق وقال الليث بن سعد قال ربيعة في الرجل يسبق القوم بشيء إن سبقه لا يرجع فيه قال الليث ونحن نرى إن كان سبقا يجوز مثله جاز فإن لم يجز سبق أخذ ذلك منه وإن سبق أحرز سبقه وذكر بن وهب عن الليث قال‏.‏

وقال مالك أرى أن يخرجه على كل حال سبق أو لم يسبق على مثل السلطان قال أبو عمر قول الأوزاعي في هذا الباب نحو قول مالك وربيعة في أن الأشياء المخرجة في السبق لا تنصرف إلى مخرجها‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري الأسباق على ملك أربابها وهم فيها على شروطهم فلا يجوز أن يملك السبق إلا بالشرط المشروط فيه فإن لم يكن ذلك انصرف السبق إلى من جعله‏.‏

970- وذكر مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل فإن سبق أخذ السبق وإن سبق لم يكن عليه شيء قال أبو عمر أنكر مالك العمل بقول سعيد ولم يعرف المحلل ولا يجوز عنده أن يجعل المتسابقان سبقين يخرج كل واحد منهما سبقا من قبل نفسه على أن من سبق منهما أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه هذا لا يجوز عنده بمحلل ولا بغير محلل إنما السباق عنده أن يجعل السبق أحدهما كالسلطان فمن سبق أخذه لا غير وقد روي عن مالك مثل قول سعيد بن المسيب والأشهر عنه ما ذكرنا وأجمع سائر العلماء على أنه لا يجوز أن يجعل كل واحد منهما سبقه إلا أن يكون سبقهما فرس ثالث لا يجعل شيئا وهو مثلهما في الأغلب وهو الذي يدعى المحلل فإن كان ذلك فهو الذي اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فقال مالك ما وصفنا‏.‏

وقال الشافعي الأسباق ثلاثة سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعا به فيجعل للسابق شيئا معلوما ممن سبق أحرز ذلك السبق وإن شاء الوالي أو غيره جعل أيضا للمصلي وللثاني والثالث شيئا شيئا فذلك كله حلال لمن جعل له والثاني أن يريد الرجلان أن يتسابقا بفرسيهما ويريد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ويخرجا سبقين فهذا لا يجوز إلا بمحلل بينهما يكون فارسا لا يأمنان أن يسبقهما فإن سبق المحلل أخذ السبقين وإن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه وإن سبق الاثنان الثالث كانا كمن لم يسبق واحد منهما ولا يجوز حتى يكون الأمر واحدا والغاية واحدة قال ولو كانوا مائة فأدخلوا بينهم محللا فكذلك والثالث أن يسابق أحدهما صاحبه ويخرج السبق وحده فإن سبقه صاحبه أخذ السبق وإن سبق صاحبه أحرز السبق وهذا في معنى الوالي قال ويخرج المتسابقان ما يتراضيان عليه ويتواضعونه على يدي رجل وأقل السبق يسبق بالهادي أو بعضه أو بالكفل أو بعضه والسبق على هذا النحو عنده وليس هذا موضع ذكره وقول محمد بن الحسن في هذا كقول الشافعي قال محمد بن الحسن وأصحابه إذا جعل السبق واحدة فقال إن سبقتني فلك كذا وكذا ولم يقل إن سبقتك فعليك كذا وكذا فلا بأس ويكره أن يقول إن سبقتك فعليك كذا وإن سبقتني فعلي كذا هذا لا خير فيه وإن قال رجل غيرهما أيكما سبق فله كذا فلا بأس وإن كان بينهما محلل إن سبق فلا يغرم وإن سبق أحد فلا بأس وذلك إذا كان يسبق ويسبق وقالوا ما عدا هذه الثلاثة الأسباق فالسبق فيه قمار وأجاز العلماء في غير الرهان السبق على الأقدام وهذا مأخوذ من خبر سلمة بن الأكوع أنه سابق بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصاري وقد ذكرناه في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وسابق رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فسبقها فلما أسن سابقها فسبقته فقال ‏(‏ ‏(‏هذه بتلك‏)‏‏)‏‏.‏

وأما السبق في الرهان فلا يجوز إلا في ثلاثة أشياء هي الخف والحافر والنصل وفيه حديث احتاج الناس فيه إلى بن أبي ذئب رواه عنه الثوري وبن عيينه والقعنبي وغيرهم عن نافع بن أبى نافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر‏)‏‏)‏ حديث آخر‏.‏

971- وذكر مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رئي وهو يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك فقال ‏(‏‏(‏إني عوتبت الليلة في الخيل قال أبو عمر هذا الحديث قد رواه عن مالك عبد الله بن عمر والفهري سمعه يقول حدثنا يحيى بن سعيد أنه سمع أنس بن مالك يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح وجه فرسه بردائه فسئل عن ذلك وقيل يا نبي الله ‏!‏ رأيناك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال ‏(‏‏(‏إني عوتبت الليلة في الخيل‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا إسناده إلى مالك في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ ولا يصح عن مالك إلا ما في الموطأ والله أعلم وقد روى أبو داود الطيالسي قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا الزبير بن الخريت الأزدي قال حدثنا نعيم بن أبي هند الأشجعي قال رئي النبي صلى الله عليه وسلم يمسح خد فرس فقيل له في ذلك فقال ‏(‏‏(‏إن جبريل عاتبني في الفرس‏)‏‏)‏ هكذا رواه أبو داود الطيالسي عن جرير عن الزبير عن نعيم مرسلا ورواه أسلم بن إبراهيم عن سعيد بن زيد عن الزبير بن خريت عن نعيم بن أبي هند عن عروة البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏ آثارا في هذا المعنى بغير هذا اللفظ كثيرة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال أخبرنا يوسف بن يزيد قال حدثنا إسماعيل بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا أبو هلال محمد بن سليم الراسبي عن قتادة عن معقل بن يسار قال لم يكن شيء أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل ثم قال اللهم غفرا بل النساء حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزه بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال اخبرنا أحمد بن حفص قال حدثني أبي قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل وذكر مالك في هذا الباب‏.‏

972- عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر حتى يصبح فخرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏الله أكبر خربت خيبر ‏(‏4‏)‏ إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر في هذا الحديث إباحة المشي بالليل على الدواب إذا لم يكن ذلك سرمدا عليها واحتيج في ذلك إليها وفي ذلك أن الغارة على العدو تستحسن أن تكون صباحا لما في ذلك من التبيين والنجاح لأن لا يصاب طفل ولا امرأة ولا ذرية حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد قال حدثنا محبوب قال حدثنا الفزاري عن حميد الطويل قال سمعت أنس بن مالك يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح قال أبو عمر فإن احتيج إلى الغارة فيمن بلغته الدعوة جاز ذلك لحديث الصعب بن جثامة ‏(‏‏(‏هم من آبائهم‏)‏‏)‏ يريد في سقوط الدية والقود وفي الإثم لمن لم يتعمد ومن لم يقصد الطفل بعينه ولا المرأة وقد بينا ذلك فيما مضى وقد اختلف العلماء في دعاء العدو قبل القتال فكان مالك يقول الدعاء أصوب بلغتهم الدعوة أو لم تبلغهم إلا أن يعجلوا المسلمين أن يدعوهم وقال عنه بن القاسم لا تبييت حتى يدعوا وذكر الربيع عن الشافعي في كتاب ‏(‏‏(‏البويطي‏)‏‏)‏ مثل ذلك لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلا أن يعجلوا عن ذلك فإن لم يفعل فقد بلغتهم الدعوة وحكى المزني عنه من لم تبلغهم الدعوة لا يقاتلوا حتى تبلغهم الدعوة يدعون إلى الإيمان قال فإن قتل منهم أحد قبل ذلك فعلى قاتله الدية وقال المزني عنه في موضع آخر ومن بلغتهم الدعوة فلا بأس أن يغار عليهم بلا دعوة‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن دعوهم قبل القتال فحسن ولا بأس أن يغير عليهم وقال الحسن بن صالح يعجبني كل ما حدث إمام بعد إمام أحدث دعوة لأهل الكفر قال أبو عمر هذا قول حسن والدعاء قبل القتال على كل حال حسن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر سراياه بذلك فمن ذلك حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أميرا على سرية أو جيش فذكر الحديث وفيه ‏(‏‏(‏فإذا لقيت العدو من المشركين فادعهم إلى أحد ثلاث خصال فأيتها أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم‏)‏‏)‏ وفيه ‏(‏‏(‏فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم‏)‏‏)‏ وفي الحديث غير هذا اختصرته وهو محفوظ‏.‏

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر بن يحيى قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن بن أبي نجيح عن أبيه عن بن عباس قال ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم وفي حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا لقتال خيبر وتفل في عينيه قال على رسلك حتى تنزل ساحتهم فإذا نزلت ساحتهم فادعهم إلى الإسلام وذكر الحديث ولا جناح على من بيت من بلغته الدعوة لحديث الصعب بن جثامة ولحديث سلمة بن الأكوع قال أمر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فغزونا ناسا فبيتناهم فقتلناهم وكان شعارنا تلك الليلة أمت أمت‏.‏

وأما قوله في الحديث محمد والخميس فالخميس العسكر وقد ذكرنا شواهد ذلك من الشعر في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏نزلنا بساحة قوم ما بساحة‏)‏‏)‏ الساحة عرصة الدار وفي هذا الحديث إباحة الاستشهاد بالقرآن وفي هذا الباب‏.‏

973- مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان‏)‏‏)‏ فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من الأبواب كلها قال ‏(‏‏(‏نعم وأرجو أن تكون منهم‏)‏‏)‏ تابع يحيى على توصيل هذا الحديث جماعة رواة الموطأ إلا بن بكير وعبد الله بن يوسف التنيسي فإنهما روياه عن مالك عن بن شهاب عن حميد مرسلا والصحيح أنه مسند متصل وقد رواه عن مالك كذلك جماعة من غير رواة الموطأ منهم بن المبارك حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي الحربي قال حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ ‏(‏من أنفق زوجين في سبيل الله نودي إلى الجنة يا عبد الله ‏!‏ هذا خير وذكر الحديث كما في الموطأ سواء في هذا الحديث من المعاني الحض على الإنفاق في سبيل الله وسبل الله كثيرة تقتضي سائر أعمال البر وفيه دليل على أن أعمال البر لا تفتح في جميعها لكل إنسان في الأغلب وأنه إنما فتح فيها كلها لقليل من الناس وأبو بكر الصديق من ذلك القليل - إن شاء الله‏.‏

وأما قوله فمن كان من أهل الصلاة فإنه يريد والله أعلم من كان الغالب من عمله الصلاة دعي من بابها لأنه من أكثر من شيء دعي به ونسب إليه فقوله فمن كان من أهل الصلاة يريد من أكثر منها فنسب إليها لأن الجميع من أهل الصلاة وكذلك من أكثر من الجهاد ومن الصيام ومن الصدقة على هذا المعنى وإن كان له في سائر أعمال البر حظ ومما يشبه هذا ما جاوب به مالك بن أنس العمري العابد وهو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل وترك مجالسة الناس في العلم وغيره فكتب إليه مالك إن الله تعالى قسم بين عباده الأعمال كما قسم الأرزاق فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح الله له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام وقد علمت أن نشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال وقد رضيت بما فتح الله لي فيه وقسم لي منه وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه من العبادة وكلانا على خير إن شاء الله‏)‏‏)‏ وقال بن القاسم قال مالك قال أبو الدرداء ‏(‏‏(‏إن الله تعالى يؤتي الرجل العلم ولا يؤتيه الحلم ويؤتيه الحلم ولا يؤتيه العلم وإن شداد بن أوس ممن آتاه الله العلم والحلم‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏من أنفق زوجين‏)‏‏)‏ فمعناه عند أهل العلم من أنفق شيئين من نوع واحد نحو درهمين دينارين قميصين أو حمل على دابتين وكذلك -والله أعلم- من تابع من عمل البر بأقل متابعة لمن صلى ركعتين ثم ركعتين ونحو هذا وصام يومين في سبيل الله ونحو هذا يدل على ذلك قوله ‏(‏‏(‏دعي من باب الصلاة‏)‏‏)‏ ومن باب الصيام‏)‏‏)‏ وإنما أراد -والله أعلم- أقل التكرار وأقل وجوه المداومة على العمل من أعمال البر لأن الأثنين أقل الجمع ومن أعلى من روي هذا التفسير عنه الحسن بن أبي الحسن حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري قال حدثنا عمي أبو زكريا يحيى بن زكريا قال‏.‏

وحدثنا محمد بن يحيى حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال‏.‏

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام عن الحسن قال حدثنا صعصعة بن معاوية قال لقيت أبا ذر فقلت حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏ من أنفق من ماله زوجين في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة‏)‏‏)‏‏.‏

قال وكان الحسن يقول زوجين درهمين دينارين عبدين من كل شيء اثنين وروي عن أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال أخبرني موسى بن عبيدة قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن حكيم بن حزام قال ‏(‏‏(‏من أنفق زوجين في سبيل الله لم يأت بابا من أبواب الجنة إلا فتح له‏)‏‏)‏‏.‏

قال موسى سمعت أشياخنا يقولون زوجين دينار ودرهم أو درهم ودينار قال أبو عمر تفسير الحسن جيد حسن قوله ‏(‏‏(‏نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير‏)‏‏)‏ يريد هذا خير نلته وأدركته لعملك ونفقتك في سبيل الله وفي حديث مالك في هذا الباب دليل على أن للجنة أبوابا وقد قيل إن للجنة ثمانية أبواب وأبواب جهنم سبعة - أجارنا الله منها‏)‏‏)‏ فأما أبواب جهنم ففي كتاب الله ما يكفي في ذلك المعنى قال الله عز وجل ‏(‏لها سبعة أبواب‏)‏ الحجر 44‏.‏

وأما أبواب الجنة فموجودة في السنة من نقل الآحاد العدول الأئمة وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ أحاديث كثيرة تشهد بما قلنا إن أبواب الجنة ثمانية منها حديث جبير بن نفير - وربيعة بن يزيد عن أبي أدريس الخولاني - جميعا عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقول حين يفرغ من وضوئه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء‏)‏‏)‏ وحديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق بن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏ما من رجل يتوضأ فيحسن الوضوء‏)‏‏)‏ ثم يقول عند فراغه ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر من رواة هذا الحديث من يقول فيه ثمانية أبواب من الجنة وقد ذكرنا ذلك كله بأسانيده في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وذكر علي بن المديني قال حدثني بكر بن يزيد الطويل قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عمير بن هانئ قال حدثنا جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله وبن أمته وكلمة ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء‏)‏‏)‏ وقد قيل في قول الله عز وجل ‏(‏وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها‏)‏ بلا واو ‏[‏الزمر 71‏]‏‏.‏

وقال في الجنة ‏(‏وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها‏)‏ بالواو ‏[‏الزمر 73‏]‏‏.‏

إن هذه الواو تدعى واو الثمانية وذكروا من الشواهد على ما ذهبوا إليه من ذلك ما لا تقوم به حجة ذكروا قول الله عز وجل ‏(‏التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر‏)‏ ‏[‏التوبة 112‏]‏‏.‏

فأدخل الواو في الصفة الثامنة دون غيرها ومنه قوله عز وجل ‏(‏سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم‏)‏ ‏[‏الكهف 22‏]‏‏.‏

فدخلت الواو في الصفة الثامنة وهذا قد أنكره قوم من أهل العلم باللسان ولم يروا فيما نزع أولئك إليه من البيان والله أعلم‏.‏

وأما قوله ‏(‏‏(‏الريان‏)‏‏)‏ فهو فعلان من الري وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن ‏(‏‏(‏للجنة بابا يدعى الريان لا يدخل منه إلا الصائمون‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا إسناده من طرق في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفي الحديث أيضا فضل لأبي بكر الصديق كبير وشهادة بأن له من كل عمل من أعمال البر نصيبا - رضي الله عنه‏.‏

باب إحراز من أسلم من أهل الذمة أرضه

977- م - قال يحيى سئل مالك عن إمام قبل الجزية من قوم فكانوا يعطونها أرأيت من أسلم منهم أتكون له أرضه أو تكون للمسلمين ويكون لهم ماله فقال مالك ذلك يختلف أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه وماله‏.‏

وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين لأن أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم وصارت فيئا للمسلمين‏.‏

وأما أهل الصلح فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم حتى صالحوا عليها فليس عليهم إلا ما صالحوا عليه قال أبو عمر ما ذكره مالك - رحمه الله - في هذا الباب عليه جماعة العلماء أن من صالح على بلاده وما بيده من ماله عقار وغيره فهو له فإن أسلم أحرز له إسلامه أرضه وماله‏.‏

وأما أهل العنوة فإنهم وجميع أموالهم للمسلمين فإن أسلموا لن تكون لهم أرضهم لأنها لمن قاتل عليها وغلب أهلها فملك رقابهم وأموالهم قال الله عز وجل ‏(‏وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم‏)‏ ‏[‏الأحزاب 27‏]‏‏.‏

وسنذكر اختلاف العلماء في قسمة الأرض المغلوبة عن عنوة في قصة خيبر في كتاب المساقاة - إن شاء الله وما أعلم بلدا من البلاد التي افتتحها المسلمون بالإيجاف عليها والمقاتلة لها خرج عن هذه الجملة المذكورة إلا مكة - حرسها الله - فإن أهل العلم اختلفوا في قصة فتحها فقالت طائفة فتحت عنوة والفتحة الغلبة وممن قال ذلك الأوزاعي وأبو حنيفة وروي ذلك عن مالك وقال به أصحابه واحتج من ذهب إلى أنها فتحت عنوة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسله والمؤمنين وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة‏)‏‏)‏ الحديث وذكروا أحاديث لا يثبتها أهل الحديث مثل قوله ‏(‏‏(‏أترون أوباش قريش إذا لقيتموهم فاحصدوهم حصدا‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا وهذا لو صح كان فيه ما يدل على أنها دخلت عنوة وقد أجمعوا على أنها لم يجز فيها من حكم العنوة ولم يقتل فيها إلا من استثناه عليه السلام وأمر بقتله ولم يسب فيها ذرية ولا عيالا ولا مالا وإن أهلها بقوا إذ أسلموا على ما كان بأيديهم من دار وعقار وليس هذا حكم العنوة بإجماع وقال أبو عبيد افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ومن على أهلها وردهم إليها ولم يقسمها ولم يجعل شيئا منها غنيمة ولا فيئا قال فرأي بعض الناس أن ذلك جائز له وللأئمة بعده قال أبو عبيد والذي أقول إن ذلك كان جائزا له في مكة وليس ذلك جائز لغيره في غيرها ومكة لا يشبهها شيء من البلاد لأن الله تعالى خص رسوله من الأنفال بما لم يخص به غيره فقال ‏(‏قل الأنفال لله والرسول‏)‏ قال أبو عمر قول أبي عبيد ضعيف وهذه الآية لم يختلفوا أن قوله عز وجل ‏(‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏)‏ ‏[‏الأنفال 41‏]‏‏.‏

نزلت بعد قوله ‏(‏قل الأنفال لله والرسول‏)‏ ‏[‏الأنفال 1‏]‏‏.‏

وقد ذكرنا هذا المعنى مجودا في هذا الكتاب والحمد لله وقال أبو يوسف عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة وأهلها وقال ‏(‏‏(‏من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل الكعبة فهو آمن‏)‏‏)‏ ونهى عن القتل إلا نفرا سماهم وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد ‏(‏‏(‏ اذهبوا فأنتم الطلقاء‏)‏‏)‏ ولم يجعل شيئا منها فيئا ولم يسب من أهلها أحدا‏.‏

وقال الشافعي لم يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة وإنما دخلها صلحا وقال أصحابه أراد بقوله صلحا أي فعل فيها فعلة فيمن صالحه فملكه نفسه وماله وأرضه ودياره وذلك لأنه لم يدخلها إلا بعد أن أمن أهلها كلهم إلا الذين أمر بقتلهم قال أبو عمر ذكر بن إسحاق وجماعة من أهل السير معنى ما أجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ في سفره عام الفتح مر الظهران نزل بها وكان العباس قد أتاه بأهله وعياله بالجحفة مهاجرا إليه فأمر بالعيال إلى المدينة وبقي هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ركب العباس بغلته ونهض يرتقب ويستمع خبرا من مكة أو مارا إليها وذلك في الليل فسمع صوت أبي سفيان يخاطب رفيقه فقال أبو حنظلة فعرفه أبو سفيان فقال أبو الفضل ثم اجتمعا فأتى به النبي عليه السلام فأراد عمر قتله فاعترضه العباس وأمره النبي عليه السلام أن يحمله مع نفسه ويأتيه به غدوة فأتى به صبيحة تلك الليلة فأسلم وبايع النبي عليه السلام أن يلزمه بشيء فقال ‏(‏‏(‏من دخل دار أبي سفيان فهو آمن‏)‏‏)‏ ولم ير إفراده في ذلك فأمر مناديا فنادى ‏(‏‏(‏ومن دخل داره فهو آمن ومن أغلق على نفسه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن وعهد إلى أمرائه من المسلمين إذا دخلوا مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا نفرا سماهم فنهض بهذا الأمان إلى مكة أبو سفيان ونادى به فهذا الأمان قد حصل لأهل مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران فأين العنوة ها هنا مع الأمان الحاقن للدم والمال لأن المال تبع للنفس ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وطاف بها ثم خطب خطبة محفوظة أسقط فيها كل دم ومأثرة ونهى عن تعظيم الآباء والتفاخر بهم وقال ‏(‏‏(‏كلكم بنو آدم وآدم من تراب ثم قال ‏(‏‏(‏يا معشر قريش ‏!‏ ما ترون أني فاعل بكم‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا خير أخ كريم وبن أخ كريم قال ‏(‏‏(‏اذهبوا فأنتم الطلقاء‏)‏‏)‏ ثم جلس حينا في المسجد فقضى أمورا مذكورة في السير أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن آدم حدثنا بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب فأسلم بمر الظهران فقال له العباس يا رسول الله ‏!‏ إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فلو جعلت له شيئا فقال ‏(‏‏(‏نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو داود حدثنا محمد بن عمرو الرازي قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن بن عباس قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران فذكر الحديث في خبر إسلام أبي سفيان ومجيء العباس به للنبي صلى الله عليه وسلم على نحو ما في السير وفي آخر الحديث قلت يا رسول الله ‏!‏ إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئا قال ‏(‏‏(‏ نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن‏)‏‏)‏‏.‏

قال فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد قال أبو داود‏.‏

وحدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا سلام بن مسكين قال حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة أن رسول الله لما دخل مكة سرح الزبير بن العوام وأبا عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد على الخيل ثم قال ‏(‏‏(‏يا أبا هريرة اهتف بالأنصار‏)‏‏)‏‏.‏

قال ‏(‏‏(‏اسلكوا هذا الطريق فلا يشرفن لكم أحد إلا أمنتموه‏)‏‏)‏ فنادى مناد لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من دخل داره فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن‏)‏‏)‏ فعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة فغص بهم وطاف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلف المقام ثم أخذ بجنبتي الباب فخرجوا فبايعوا النبي عليه السلام على الإسلام قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل سأله رجل قال مكة عنوة هي قال إيش يضرك ما كانت ‏!‏ قال فصلح قال لا قال أبو عمر من حديث أبي هريرة شرع الطائفتان من قال إن مكة دخلت عنوة لأمره الزبير وأبا عبيدة وخالدا بقتل قريش بعد دخول مكة ومن شرع من قال لم يدخل عنوة لأن فيه النداء بالأمان في ذلك الوقت ولم تختلف الآثار ولا اختلف العلماء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن أهل مكة كل من دخل داره أو المسجد أو دار أبي سفيان أو ألقى السلاح وقد اختلفت الآثار في وقت الأمان فمن قال إن ذلك كان بمر الظهران كان أصح وأولى ممن قال إن ذلك كان بعد دخوله مكة لأنه معلوم أن من شهد ما في حديث بن عباس من تأمين أهل مكة في حين إسلام أبي سفيان فقد شهد بزيادة على ما في حديث أبي هريرة لأن من تقدم أمانه لا ينكر أن يعاد عليه الذكر بذلك عند دخوله مكة ومعنى إرساله الزبير وأبا عبيدة وخالدا قد ظهر في الحديث الآخر لأنه أمر أمراءه أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا من استثنى لهم فهذا تهذيب الأمان في ذلك والله أعلم وعلى هذا تتفق معانيها في أن مكة بلدة مؤمنة ولم يكن فيها شيء من أقوام له لعشرة ولم يكن فيها شيء من الصلح إلا أن يحصل أمرها كان لأنها صالحت لملك أهلها أنفسهم وذراريهم وأموالهم وهذا أشبه بحكم الصلح منه بحكم العنوة أخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن الصباح قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثنا إبراهيم بن عقيل بن معقل عن ابيه عن وهب بن منبه قال سألت جابرا هل غنموا يوم الفتح شيئا قال لا واختلف الفقهاء في الحربي المستأمن يسلم وله في دار الحرب مال وعقار فقال مالك والليث وأبو حنيفة وأصحابهم إذا أتى الحربي طالبا للأمان فأعطاه ذلك الإمام وله في دار الحرب أموال ودور وامرأة حامل وأولاد صغار وكبار فأسلم ثم ظفر المسلمون على تلك الدار أن ذلك كله إذا أسلم الحربي في بلده ثم خرج إلينا مسلما فإن أولاده الصغار أحرار ومسلمون وما أودعه مسلما أو ذميا فهو له وما أودعه حربي وسائر ماله هناك فيء فرقوا بين إسلامه قبل خروجه وبين إسلامه بعد خروجه لاختلاف حكم الدار عنده‏.‏

وقال الشافعي من خرج إلينا منهم مسلما أحرز ماله حيث كان وصغار ولده وهو قول الطبري ولم يفرق مالك والشافعي بين إسلامه في دار الكفر أو دار الإسلام وقال الأوزاعي يرد إليه أهله وعياله وذلك فيء ولم يفرق بين ملك في الدارين واختلف العلماء في بيع أرض مكة وكرائها ودورها فكان مالك يكره بيوت مكة وقال كان عمر ينزع أبواب مكة وكان أبو حنيفة لا يرى بأسا ببيع بناء بيوت مكة وكره بيع أرضها وكره كراء بيوتها في الموسم ومن الرجل يعتمر ثم يرجع فأما المعتمر فلا يرى بأخذ الكراء منه بأسا قال محمد وبه نأخذ قال الشافعي أرض مكة وبيوتها وديارها لأربابها ما بين بيعها وكرائها وهو قول طاوس وعمل بن الزبير واحتج الشافعي بحديث أسامة بن زيد أنه قال يا رسول الله أنزل دارك بمكة فقال ‏(‏‏(‏ وهل ترك لنا عقيل من رباع وكان قد باعها فأضاف الملك إليه وإلى من ابتاعها منه وقد أضاف الله عز وجل الديار إليهم بقوله عز وجل ‏(‏المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم‏)‏ ‏[‏الحشر 8‏]‏‏.‏

وقال ‏(‏الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله‏)‏ ‏[‏الحج 40‏]‏‏.‏

وكره عطاء كراء بيوت مكة وقال إسحاق بيع دور مكة وشراؤها وإجارتها مكروهة ثم قال شراؤها واستئجارها أهون من بيعها وإجارتها قال أبو عمر هذا ضعيف من القول لأن المشتري والبائع متبايعان فما كره البائع ينبغي أن يكره المشتري وهذا نحو من كره بيع المصحف وأجاز شراءه وقد كره في هذا الباب حديث من حديث بن عمر لا يصح عند أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏(‏‏(‏لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها‏)‏‏)‏ وكان أحمد بن حنبل يعجبه أن يتوقى الكراء في الموسم ولا يرى بالشراء بأسا قال وقد اشترى عمر بن الخطاب دار السجن بأربعة آلاف قال أبو عمر تبايع أهل مكة لديارهم قديما وحديثا أشهر وأظهر من أن يحتاج فيه إلى ذكر وقد ذكر كثيرا من ذلك الهجيني والخزاعي وغيرهما في ‏(‏‏(‏أخبار مكة‏)‏‏)‏ والحمد لله‏.‏

باب الدفن في قبر واحد من ضرورة وإنفاذ أبي بكر رضي الله عنه عدة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته

974- ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة قال مالك لا بأس أن يدفن الرجلان والثلاثة في قبر واحد من ضرورة ويجعل الأكبر مما يلي القبلة قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ لم يختلف الرواة فيه وهو متصل معناه من وجوه صحاح‏.‏

وأما عمرو بن الجموح فهو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام‏.‏

وأما عبد الله بن عمرو فهو عبد الله بن عمرو بن حرام وكلاهما من بني سلمة من الأنصار وقد ذكرت نسبها في كتاب ‏(‏‏(‏الصحابة‏)‏‏)‏ فلا خلاف بين أهل السير والآثار والعلم بالخبر أنهما قتلا يوم أحد وأنهما دفنا في قبر واحد وكانا صهرين وكانت السيرة باتفاق من الآثار والعلماء بالسير والأخبار في قتلى أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد عليهم الحفر ككل إنسان وكانوا قد مسهم القرح قال لهم ‏(‏‏(‏احفروا وأعمقوا ووسعوا وادفنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآنا‏)‏‏)‏ وقد ذكرنا الآثار بذلك في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ وفي الحديث من الفقه أن دفن الرجلين والثلاثة في قبر لا يكون إلا من ضرورة كما قال مالك وإلا فالسنة المنقولة بنقل الكافة أن يدفن كل واحد في قبر فإن كانت ضرورة كانت في أهل أحد أسوة حسنة فإن قدم في القبر إلى القبلة الأكبر فلا حرج وإن قدم الأكثر قرآنا فحسن والمعنى في ذلك من إمامته في الصلاة وقد أوضحنا ذلك في كتاب الصلاة وفيه أيضا دليل على تعليم السير والخبر والوقوف على آثار من مضى وفيه لا بأس باستخراج الموتى من قبورهم إن وجد إلى ذلك ضرورة فأريد به الخير وأن ذلك ليس في باب شيء من نبش وفيه أن الشهداء لا تأكل الأرض لحومهم وممكن أن يكون في قتلى أحد خاصة إلا أنه قد وردت آثار توجب دخول غيرهم معهم في ذلك وقد تدعى المشاهدة في مثل هذا والله أعلم‏.‏

وأما الأحاديث المتصلة في هذا الباب فحدثنا خلف بن قاسم بن سهل قال حدثنا بكر بن عبد الرحمن قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال حدثنا حسان بن غالب قال حدثنا بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال استصرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد وأجرى معاوية العين فاستخرجناهم بعد ست وأربعين سنة لينة أجسادهم تتثنى أطرافهم‏.‏

وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال لما أراد معاوية أن يجري العين بأحد نودي بالمدينة من كان له قتيل فليأت قتيله قال جابر فأتيناهم فأخرجناهم رطابا يتثنون فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دما قال أبو سعيد الخدري لا ننكر بعد هذا منكرا أبدا قال أبو عمر لا أدري من القائل قال أبو سعيد أجابر قاله أم أبو الزبير لأنه لم يجد لأبي سعيد في الإسناد ذكرا وقد روي أن الذي أصبت أصبعه دما كان حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن معمر الجوهري قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا يحيى بن سليمان وحامد بن يحيى قالا حدثنا سفيان بن عيينة واللفظ ليحيى عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال لما أراد معاوية أن يجري العين التي إلى أحد أمر مناديا نادى بالمدينة من كان له قتيل فليخرج إليه وليباشر تحوله قال جابر فأتيناهم فأخرجناهم من قبورهم رطابا يتثنون يعني شهداء أحد قال فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دما قال أبو سعيد لا أنكر بعد هذا منكر قال يحيى بن سليمان قال لنا سفيان بلغني أنه حمزة بن عبد المطلب وقد روي عن جابر بإسناد صحيح أنه أخرج أباه من قبره بعد ستة أشهر أو سبعة وهذا لا محالة وقت غير ذلك الوقت ومدة غير هذه المدة ولم يفعل ذلك جابر إلا أراده أن يكون في قبره واحدا وذلك بين في الحديث حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا خالد بن حراش قال حدثنا غسان بن مضر قال حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال دعاني أبي وقد حضر أحدا فقال لي يا جابر ‏!‏ إني لا أراني إلا أول مقتول يقتل غدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لن أدع أحدا أعز منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لك أخوات فاستوص لهن خيرا وإني علي دينا فاقضه عني قال فكان أول قتيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فدفناه هو وآخر في قبر واحد وكان في نفسي منه شيء فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته وروى هذا الحديث شعبة عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن جابر مثله سواء بمعناه إلا أنه قال بعد ستة أشهر أو سبعة‏.‏

وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة عن أبي نضرة عن جابر قال دفن مع أبي رجل وكان في نفسي من ذلك حاجة فأخرجته بعد ستة أشهر فما أنكرت منه شيئا إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض وفي هذا الباب‏.‏

975- مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال قدم على أبي بكر الصديق مال من البحرين فقال من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي أو عدة فليأتني فجاءه جابر بن عبد الله فحفن له ثلاث حفنات قال أبو عمر هذا الحديث لم يختلف عن مالك في انقطاعه وهو حديث متصل من وجوه صحاح عن جابر رواه عنه جماعة منهم أبو جعفر محمد بن علي ومحمد بن المنكدر وعبد الله بن محمد بن عقيل وأبو الزبير والشعبي وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في ‏(‏‏(‏التمهيد من أحسنها ما حدثناه خلف بن قاسم الحافظ قال حدثنا أحمد أبو الحسين بن جعفر الزيات قال حدثنا يوسف بن يزيد القراطيسي قال حدثنا حجاج بن إبراهيم قال حدثنا سفيان بن عيينة عن بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله قال سفيان‏.‏

وحدثنا عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله - يزيد أحدهما على الآخر - قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا‏)‏‏)‏ وقال بيديه جميعا فما قدم مال من البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم مال من البحرين قال أبو بكر من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا قال جابر فأتيت أبا بكر فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدني إذا قدم مال من البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا قال فحثى لي أبو بكر حثية ثم قال لي عدها فإذا هي خمس مائة قال خذ مثلها مرتين وزاد فيه بن المنكدر ثم أتيت أبا بكر بعد ذلك فردني فسألته فردني فقلت في الثالثة سألتك مرتين فلم تعطني فقال إنك لم تأتني مرة إلا وأنا أريد أعطيك وأي داء أدوى من البخل وفي هذا من الفقه أن العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وذلك من أخلاق أهل الإيمان وقد جاء في الأثر أي المؤمن واجب أي واجب في أخلاق المؤمنين وإنما قلنا إن ذلك ليس بواجب فرضا لإجماع الجميع من الفقهاء على أن من وعد بمال ما كان لم يضرب به مع الغرماء كذلك قلنا إيجاب الوفاء به حسن في المروءة ولا يقضى به ولا أعلم خلافا أن ذلك مستحسن يستحق صاحبه الحمد والشكر والمدح على الوفاء به ويستحق على الخلف في ذلك الذم وقد أثنى الله عز وجل على من صدق وعده ووفى بنذره وكفى بهذا مدحا وبما خالفه ذما والوأي العدة ولما كان هذا من مكارم الأخلاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بها وأنذرهم إليها وكان أبو بكر خليفته أدى ذلك عنه وقام مقامه من الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيمها منه ولذلك لم يسأل أبو بكر الصديق البينة على ما ادعاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم من العدة لأن تلك العدة لم تكن شيئا أداه جابر في ذمة رسول الله وإنما ادعى شيئا في بيت المال وإنما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام واختلف الفقهاء في ما يلزم من العدة وما لا يلزم منها وكذلك اختلفوا في تأخير الدين الحال هل يلزم أم لا يلزم وهو من هذا الباب فقال مالك وأصحابه من أقرض رجلا مالا دنانير أو دراهم أو شيئا مما يكال أو يوزن أو غير ذلك إلى أجل ثم طاع له فأخرجه إلى الأجل ثم أراد الانصراف في ذلك وأراده قبل الأجل لم يكن ذلك له لأن هذا مما يتقرب به إلى الله عز وجل وهو من باب الحسبة والصدقة التي لا يجوز الرجوع فيها قال أبو عمر من الحجة لمالك - رحمه الله - عموم قوله تعالى و‏(‏أوفوا بالعقود‏)‏ ‏[‏المائدة 1‏]‏‏.‏

وقوله عليه السلام ‏(‏‏(‏كل معروف صدقة‏)‏‏)‏ وأجمعوا أنه لا يتصرف في الصدقات فكذلك سائر الهبات قال مالك‏.‏

وأما العدة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم ثم يبدو له أن لا يفعل فما أرى ذلك يلزمه قال مالك ولو كان ذلك في قضاء دين فسأله أن يقضيه عنه قال نعم وثم رجال يشهدون عليه فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان وفي سماع عيسى قلت لابن القاسم إن باع رجل سلعة من رجل ثم قال له قبل البيع بع ولا نقصان عليك قال إذا يلزمه ذلك إن باع بنقصان وهو قول مالك قال عيسى قلت له رجل اشترى من رجل سلعة ونقده الثمن ثم جاءه يستوضعه فقال له اذهب بع ولا نقصان عليك قال لا بأس بهذا نقده أو لم ينقده إلا أن يقول له انقدني وبع ولا نقصان عليك فهو الأخير فيه قال قلت لم ذلك قال لأنه يكون فيه عيوب وخصوم حر وقال بن القاسم إذا وعد الغرماء فقال أشهدكم أني قد وهبت لهذا من أين يؤدى إليكم فإن هذا يلزمه وإما أن يقول نعم أنا أقبل ثم يبدو له فلا أرى ذلك عليه قال أبو بكر بن اللباد أخبرنا يحيى بن عمر عن أبي إسحاق البرقي قال سمعت أشهب يقول في رجل له ابنة بكر فقال لرجل إن طلقت زوجتك ثلاثا فأنا أزوجك ابنتي فقال الرجل اشهدوا أني قد طلقت زوجتي ثلاثا فبدا لأبي الجارية أن يزوجها منه فقال أشهب فوعده ما خلفه ولا يلزمه أن يزوجه قال أشهب ولكن لو قال أبو الجارية إن طلقت امرأتك ثلاثا فقد زوجتك ابنتي فقال الرجل اشهدوا أني قد طلقت امرأتي ثلاثا فبدا لأبي الجارية أن يزوجه أن النكاح لازم له ويقال للرجل قد قيد أوجب لك النكاح إن أنت فرضت لها صداق مثلها ففرق أشهب بين قول الأب أنا أزوجك وقد زوجتك وجعل قوله أنا أزوجك عدة منه إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل وجعل قوله قد زوجتك واجبا ليس له فيه رجوع وإذا فرض للجارية صداق مثلها وقال سحنون اختلف أصحابنا في رجوع العدة وهو الذي عليه أكثرهم وهو الذي يلزمه من العدة في السلف والعارية أن يقول للرجل اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبنيها به أو أخرج إلى الحج وأنا أسلفك ما يبلغك أو اشتر سلعة كذا أو تزوج وأنا أسلفك ثمن السلعة وصداق المرأة وما أشبه ذلك مما يدخله فيه وينشبه به فهذا كله يلزمه قال وإما أن يقول أنا أسلفك وأنا أعطيك بغير شيء يلزم المأمور نفسه فإن هذا لا يلزمه منه شيء قال أصبغ العدة إذا لم تكن في نفس البيع وكانت بعد فهي موضعة عين المشتري وتلزم البائع‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي وعبيد الله بن الحسن وسائر الفقهاء أما العدة فلا يلزمه منها شيء لأنها منافع لم يقبضها في العارية لأنها طارئة وهي بغير العارية هي أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض فلصاحبها الرجوع فيها‏.‏

وأما القرض فقال أبو حنيفة وأصحابه وسواء كان القرض إلى أجل أو إلى غير أجل له أن يأخذه متى أحب وكذلك العارية وما كان مثل ذلك كله ولا يجوز تأخير القرض البتة بحال ويجوز عندهم تأخير المغصوب وقيم المستهلكات إلا زفر فإنه قال لا يجوز التأجيل في القرض ولا في الغصب واضطرب قول أبي يوسف في هذا الباب‏.‏

وقال الشافعي إذا أخره بدين حال فله أن يرجع فيه متى شاء سواء كان من قرض أو غير قرض أو من أي وجه كان فكذلك العارية وغيرها لأن ذلك من باب العدة والهبة غير المقبوضة وهبة ما لم يخلق قال أبو عمر في هذا الحديث أيضا دليل على أن يقضي الإنسان عن غيره بغير إذنه فيبرأ وأن الميت يسقط ما كان عليه بقضاء من قضى عنه وذكر أهل السير أن النبي عليه السلام كان قد وعد عمرو بن العاص حين بعثه إلى المنذر بن ساوى أن يستعمله على صدقة سعد هديم فلما قدم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله عليها أبو بكر إنفاذا لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا يحيى بن يوسف الأشعري قال حدثنا أحمد بن يوسف المكي قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن محمد الترمذي قال حدثنا محمد بن عيسى بن سورة أبو عيسى الترمذي قال حدثنا واصل بن عبد الأعلى الكندي قال حدثنا محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال أمر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة عشر قلوصا فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئا فلما قام أبو بكر قال من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجئ فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها قال أبو عمر هو غريب ليس له غير هذا الإسناد تم كتاب الجهاد والحمد لله رب العالمين‏.‏

كتاب النذور والأيمان

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم‏.‏

باب ما يجب من النذور في المشي

976- مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏اقضه عنها‏)‏‏)‏ كذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت ورواه حماد بن خالد عن مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن بن عباس أن سعدا قال يا رسول الله ‏!‏ أينفع أمي أن أتصدق عنها وقد ماتت قال ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

قال فما تأمرني قال ‏(‏‏(‏أسق الماء‏)‏‏)‏ ذكره الدارقطني عن عبد العزيز بن محمد بن الواثق بالله عن البغوي الصحيح في هذا الحديث ذكر النذر وحماد بن خالد ثقة إلا أنه كان أميا قال أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني لم يرو هذا الحديث هكذا عن حماد بن خالد إلا شجاع بن مخلد قال أبو عمر قد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ كثيرا من أسانيد هذا الحديث ومن هذا الباب مع ترجمته مع حديث بن عباس هذا يخرج الحي عن الميت متطوعا عنه أو مستأجرا عليه واختلف أهل العلم في النذر الذي كان على سعد بن عبادة فقال قوم كان صياما واستدلوا على ذلك بحديث الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها صوم يوم أفأصوم عنها قال نعم قال أبو عمر لا يصح أن يجعل حديث الأعمش هذا مفسرا لحديث الزهري لأنه قد اختلف فيه عن الأعمش فقال فيه عنه قوم بإسناده أن امرأة جاءت إلى رسول الله فقالت ‏(‏‏(‏إن أمي ماتت وعليها صيام‏)‏‏)‏ وهذا يدل على أنه ليس السائل عن ذلك سعد بن عبادة وقد كان بن عباس يفتي بأن لا يصوم أحد عن أحد ذكره السدي عن محمد بن عبد الأعلى عن يزيد بن زريع عن حجاج الأحول عن أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن بن عباس وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء فيمن مات وعليه صيام هل يصوم عنه وليه في باب الصيام والحمد لله وذكرنا الاختلاف عن بن عباس في هذه المسألة هناك وقال بعض أهل العلم إن النذر الذي كان على أم سعد بن عبادة كان عتقا وكل ما كان في مال الإنسان واجبا فجائز أن يؤديه عنه غيره إن شاء واستدلوا على ذلك بحديث القاسم بن محمد أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله ‏!‏ إن أمي ماتت فهل ينفعها أن أعتق عنها قال ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا وهذا يفسر النذر المجمل الذي ذكره بن عباس في حديث بن شهاب أن أم سعد بن عبادة نذرته وقال آخرون كان النذر على أم سعد بن عبادة صدقة واستدلوا على ذلك بحديث مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده أن سعد بن عبادة خرج في بعض المغازي فحضرت أمه الوفاة فقيل لها أوصي قالت فيم أوصي وإنما المال مال سعد وتوفيت قبل أن يقدم سعد فلما قدم ذكر ذلك له فقال سعد يا رسول الله ‏!‏ هل ينفعها أن أتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏نعم‏)‏‏)‏ فقال سعد حائط كذا صدقة عنها لحائط سماه قال أبو عمر ليس في هذا دليل بين على أن النذر المذكور في حديث بن عباس هو هذا بل الظاهر في هذا الحديث أنه وصية والوصية غير النذر في ظاهر الأمر ولا خلاف بين العلماء في جواز صدقة الحي عن الميت نذرا أو غير نذر وقد ذكرنا في ‏(‏‏(‏التمهيد‏)‏‏)‏ حديث حميد عن أنس قال قال سعد بن عبادة يا رسول الله ‏!‏ إن أم سعد ماتت تحت الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليها بالماء وسيأتي القول في معنى هذا الحديث في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وقال آخرون في حديث بن عباس إن سعد بن عبادة قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏!‏ إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏اقضه عنها‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا بل كان ذلك نذرا مطلقا لا ذكر فيه لصيام ولا عتق ولا صدقة قالوا ومن جعل على نفسه نذرا فكفارته كفارة يمين عند أكثر العلماء روي ذلك عن عائشة وبن عباس وجابر بن عبد الله وجماعة من التابعين وروى الثوري عن أبي معشر عن سعيد بن جبير عن بن عمر أنه سئل عن النذر فقال أغلظ الأيمان فإن لم تجد فالتي تليها فإن لم تجد فالتي تليها فإن لم تجد فعدل الرقبة ثم الكسوة ثم الإطعام وقد روي هذا عن بن عباس ذكره بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن سعيد بن جبير عن بن عباس في الرجل يحلف بالنذر أو الحرام فقال لم يأل أن يغلظ على نفسه بعتق رقبة أو بصوم شهرين أو بإطعام ستين مسكينا وذكر عن عبدة بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن بن عباس مثله وعن بن عيينة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن بن عباس مثله وعن بن عيينة قال النذر إذا لم يسمه صاحبه فهي أغلظ الأيمان ولها أغلظ الكفارات وهو قول بن مسعود على اختلاف عنه وقد روي عنه عليه عتق رقبة وقال معمر عن قتادة اليمين المغلظة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وذكر بن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن جبير عن بن عمر مثله وقال الشعبي إني لأعجب ممن يقول النذر يمين مغلظة ثم قال عليه إطعام عشرة مساكين وقاله الحسن وهو قول إبراهيم ومجاهد وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وجماعة الفقهاء أهل الفتيا بالأمصار قال أبو عمر هذا أقل ما قيل في ذلك وهو الصحيح لأن الذمة أصلها البراءة إلا بيقين وقد قيل إن الأول في مثل هذا كالإجماع وقد روي في النذر المبهم كفارته كفارة يمين حديث مسند وهو أعلى ما روي في ذلك وأجل حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن إسماعيل بن رافع عن خالد بن يزيد عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من نذر نذرا فلم يسمه فعليه كفارة يمين وقد روي عن خالد بن زيد فيمن قال علي نذر أن سمى مشيا فهو ما سمى وإن نوى فهو ما نوى وإن لم يكن صام يوما أو صلى ركعتين واختلفوا في وجوب قضاء النذر عن الميت على وارثه فقال أهل الظاهر يقضيه عنه وليه الوارث هو واجب عليه صوما أو مالا وقال جمهور الفقهاء ليس ذلك على الوارث بواجب وإن فعل فقد أحسن إن كان صدقة عتقا واختلفوا في الصوم على ما مضى في كتاب الصيام واختلفوا أيضا إذا أوصى به فقالت طائفة من العلماء هو في ثلثه وقال آخرون كل واجب عليه في ثلثه وقال آخرون كل واجب عليه في حياته أوصى به فهو رأس وقد ذكرنا القائلين بذلك كله في غير هذا الموضع‏.‏

977- وأما حديث مالك في هذا الباب عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها قال يحيى وسمعت مالكا يقول لا يمشي أحد عن أحد قال أبو عمر لا خلاف عن مالك أنه لا يمشي أحد عن أحد ولا يصوم عنه وأعمال النذر كلها عنده كذلك قياسا على الصلاة والمجتمع عليها وقال بن القاسم أنكر مالك الأحاديث في المشي إلى قباء ولم يعرف المشي إلا إلى مكة خاصة قال أبو عمر لا يعرف مالك المشي إلا إلى مكة بمعنى أنه لا يعرف إيجاب المشي وإنما هذا في الحالف والناذر عنده‏.‏

وأما قوله في المتطوع فقد ذكرناه في كتاب الصلاة عند ذكر حديث بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا وذكرنا هناك آثارا تدل على إتيان مسجد قباء ترغيبا فيه وأن صلاة واحدة فيه كعمرة ولم يختلف العلماء فيمن قال علي المشي إلى بيت المقدس أو إلى مسجد المدينة ولم ينو الصلاة في واحد من المسجدين وإنما أراد قصدهما لغير الصلاة أنه لا يلزمه الذهاب إليهما فنذر المشي إلى قباء بذلك أولى لأن الصلاة في المسجد الحرام أو مسجد النبي عليه السلام أو مسجد بيت المقدس أفضل من الصلاة بقباء بإجماع من العلماء واختلفوا إذا أراد الصلاة فيهما أو في أحدهما أو ذكر المسجد منهما فقال مالك إذا قال لله المشي علي إلى المدينة أو إلى بيت المقدس فلا شيء عليه إلا أن ينوي أن يصلي هناك بل يلزمه الذهاب إليهما راكبا إن شاء ولا يلزمه المشي إليهما قال أبو عمر قول مالك فيمن قال لله علي أن أمشي إلى المدينة أو إلى بيت المقدس أنه لا شيء عليه إلا أن ينوي الصلاة في مسجدهما يدل على أن قائلا لو قال علي المشي إلى قباء لم يلزمه شيء إلا أن يقول مسجد قباء أو ينوي الصلاة في مسجد قباء فإذا قال مسجد قباء أو نوى الصلاة في مسجد قباء فإذا قال مسجد قباء علم أنه للصلاة وكذلك إذا نوى ذلك فمن جعل الصلاة في مسجد قباء لها فضل الصلاة على غيرها أحب لنا بل أوفى بما فعل على نفسه ومن لم ير أعمال المصلي ولا المشي إلا إلى الثلاثة المساجد أمر من نذر الصلاة بهما أن يصلي في مسجده أو حيث شاء ومن قال لا مشي إلا إلى مكة لم يلتفت إلى غير ذلك وهو قول مالك في المشي‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من نذر المشي إلى مسجد النبي عليه السلام أو مسجد بيت المقدس لم يلزمه شيء وقال الأوزاعي من نذر أن يمشي إلى بيت المقدس فليركب إن شاء وإن كانت امرأة فإن شاءت ركبت وإن شاءت تصدقت بشيء وقول مالك والشافعي أنه يمضي راكبا إلى بيت المقدس فيصلي فيه واختلفوا فيمن نذر أن يصوم أو يصلي في موضع يتقرب بإتيانه إلى الله عز وجل كالثغور ونحوها فقال مالك من نذر ذلك فإنه يقصد ذلك الموضع فيصوم فيه أو يصلي وإن كان من أهل مكة أو المدينة يعني ولا يلزمه المشي قال ولو قال لله علي أن أعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فاعتكف في مسجد القسطاط لم يجزه ذلك فقال الأوزاعي إذا جعل عليه صيام شهر بمكة لم يجزه في غيرها وإذا نذر صلاة في مكة لم يجزه في غيرها‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من نذر أن يصوم بمكة فصام بالكوفة أجزأه وقال زفر لا يجزئه إلا أن يصوم بمكة وقال أبو يوسف من نذر أن يصلي في المسجد الحرام فصلى في غيره لم يجزه وإن نذر أن يصلي ببيت المقدس فصلى في المسجد الحرام أجزأه‏.‏

وقال الشافعي من نذر أن يصلي بمكة لم يجزه أن يصلي بالمدينة ولا ببيت المقدس وإن نذر الصلاة بالمدينة أو ببيت المقدس جاز له أن يصلي بمكة ولم يجزه أن يصلي في غيرها من البلدان إلا الفاضل من المدينة أو بيت المقدس قال وإن نذر سوى هذه البلاد صلى حيث شاء قال وإن قال لله علي أن أنحر بمكة لم يجزه في غيرها وكذلك إن نذر أن ينحر بغيرها لم يجزه إلا في الموضع الذي نذر لأنه شيء أوجبه على نفسه لمساكين ذلك البلد وقال الليث بن سعد من نذر صياما في موضع فعليه أن يصوم في ذلك الموضع ومن نذر المشي إلى مسجد من المساجد مشي إلى ذلك المسجد قال أبو جعفر الطحاوي لم يوافق الليث على إيجاب المشي إلى سائر المساجد أحد من الفقهاء‏.‏

وأما فتيا بن عباس المرأة التي جعلت على نفسها مشيا إلى قباء وماتت أن تمشي ابنتها عنها فقد تقدم في كتاب الصيام الاختلاف عن بن عباس في قضاء الولي عن وليه الميت ما كان واجبا عليه من صوم أو صدقة وما للعلماء في ذلك ما غنى عن إعادته ها هنا‏.‏

وأما الدليل على أن الصلاة في الموضع الفاضل تجزئ عن الصلاة في الموضع المقصود إليه بالصلاة فحديث جابر حدثناه عبد الله بن حماد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رجلا قال يا رسول الله ‏!‏ إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال ‏(‏‏(‏صل ها هنا‏)‏‏)‏ فأعاد عليه مرتين كل ذلك يقول ‏(‏‏(‏صل ها هنا‏)‏‏)‏ وأعاد عليه الثانية فقال ‏(‏‏(‏شأنك إذا‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر كل من ذهب إلى أن المسجد الحرام أفضل من مسجد النبي عليه السلام فعلى هذا يخرج جوابه بدليل هذا الحديث الذي ذكرناه وكذلك قول مالك ومن تبعه في تفضيل مسجد النبي عليه السلام على المسجد الحرام يجيء أيضا على مثل هذا أن يصلي في مسجد النبي عليه السلام ولا يذهب إلى المسجد الحرام وهذا لا نعلم أن أحدا قاله فيمن نذر المشي إلى مكة ليصلي في مسجدها أنه يجزئه الصلاة في مسجد النبي عليه السلام فدل ذلك على فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره وكذلك لم يوجب أحد المشي إلى المدينة على الأقدام وأوجبوه إلى مكة وذلك بين في فضل مشيه إلى مكة علي غيره وبالله التوفيق إلا أن الرواية عن مالك في كل موضع يتقرب فيه إلى الله - عز وجل - بالصوم والصلاة ألا يتعدى إلى غيره وإن فات أفضل بدليل الحديث المذكور ومن هذا الأصل جوابه فيمن نذر أن يعتكف في مسجد النبي عليه السلام فاعتكف في الفسطاط أن لا يجزئه واحتج الطحاوي للكوفيين على زفر بأن قال القزبة في الصلاة دون الموضع فلا معنى لاعتبار الموضع ورد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصلاة في مسجده والمسجد الحرام على ما سواهما من المساجد على من قال ذلك بصلاة الفريضة لا في النافلة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر لا معنى لقوله هذا لأنه معلوم أن من قصد بيت المقدس أو المسجد الحرام أو مسجد النبي عليه السلام لا تمتنع عليه الصلاة المكتوبة فيه بل القصد إليهما إلى المكتوبات وهو الغرض في قصد القاصد ونذر الناذر ولو قال قائل إن فضل النافلة تبع لفضل الفريضة وجعل قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ صلاة في مسجدي هذا أفضل من أفضل صلاة في سائر المساجد إلا المسجد الحرام‏)‏‏)‏ عموما في النافلة والفريضة كان مذهبا إلا أن فيه نسخ قوله ‏(‏‏(‏صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة‏)‏‏)‏ لأن فضائله كانت تزيد في كل يوم لا تنقص وهذا من فضائله صلى الله عليه وسلم إلا أنه خبر لا يجوز عليه النسخ فقد بينا هذا في موضعه وذكرنا اختلاف العلماء في تفضيل المسجد الحرام على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في ‏(‏‏(‏كتاب الصلاة‏)‏‏)‏ والحمد لله‏.‏

978- وأما حديث مالك عن عبد الله بن أبي حبيبة قال قلت لرجل وأنا حديث السن ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي فقال لي رجل هل لك أن أعطيك هذا الجرو لجرو قثاء في يده وتقول علي مشي إلى بيت الله قال فقلت نعم فقلته وأنا يومئذ حديث السن ثم مكثت حتى عقلت فقيل لي إن عليك مشيا فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك فقال لي عليك مشي فمشيت قال مالك وهذا الأمر عندنا قال أبو عمر قول مالك ‏(‏‏(‏وهذا الأمر عندنا‏)‏‏)‏ خرج على أن قول القائل علي مشي إلى بيت الله أو علي نذر مشي إلى بيت الله ‏(‏نوى ‏)‏ وهو مذهب بن عمر وطائفة من العلماء وذكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر في الرجل يقول علي المشي إلى الكعبة قال هذا نذر فليمش قال أبو عمر جعل بن عمر قوله علي المشي كقوله علي نذر مشي إلى الكعبة قال‏.‏

وحدثنا بن يزيد عن هشام بن عروة قال جعل رجل على نفسه المشي إلى بيت الله في شيء فسأل القاسم فقال يمشي إلى البيت قال‏.‏

وحدثني معتمر بن سليمان عن ليث عن أبي معشر عن يزيد بن إبراهيم التيمي قال إذا قال لله علي حجة أو قال علي حجة أو قال لله علي نذر أو قال علي نذر فذلك كله سواء قال أبو عمر هذا قول مالك وجماعة من العلماء إلا أن المعروف عن سعيد بن المسيب غير ما ذكره عنه عبد الله بن أبي حبيبة ذكر بن أبي شيبة قال حدثنا حماد بن أبي خالد الخياط عن محمد بن هلال سمع سعيد بن المسيب يقول من قال علي المشي إلى بيت الله فليس بشيء إلا أن يقول علي نذر مشي إلى الكعبة وروى عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب مثله وعن بن القاسم بن محمد أنه سئل عن رجل جعل على نفسه المشي إلى بيت الله فقال القاسم أنذر قال لا قال فليكفر يمينا قال أبو عمر أظن سعيد بن المسيب جعل قول القائل ‏(‏‏(‏علي المشي‏)‏‏)‏ من باب الإخبار بالباطل لأن الله تعالى لم يوجب عليه مشيا في كتابه ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا قال ‏(‏‏(‏نذر مشي‏)‏‏)‏ كان قد أوجب على نفسه المشي فإن كان في طاعة لزمه الوفاء به لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من نذر أن يطيع الله فليطعه فهم لا يرون في قول الرجل ‏(‏‏(‏علي المشي‏)‏‏)‏ شيئا حتى يقول ‏(‏‏(‏نذرت‏)‏‏)‏ أو ‏(‏‏(‏علي نذر مشي‏)‏‏)‏ أو ‏(‏‏(‏علي لله المشي‏)‏‏)‏ وذا على وجه الشكر لله وطلب البر والحمد فيما يرجو من الله فالنذر الواجب في الشريعة إيجاب المرء فعل البر على نفسه هذا حقيقة اللفظ عند العلماء قال أبو عمر في مسألة عبد الله بن أبي حبيبة ما ينكزه ويخالف ما فيه أكثر أهل العلم وذلك أنه نذر على مخاطرة والعبادات إنما تصح بالنيات لا بالمخاطرات وهذا لم يكن له نية ولا إرادة فيما جعل على نفسه فيلزم فكيف يلزمه ما لا يقصد عن طاعة ربه وفي حديث سعيد بن المسيب خلاف ما روى عنه غيره من الثقات قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فيمن جعل على نفسه المشي إلى مكة أنه لم يرد به الحج على نفسه حجا ولا عمرة قال أبو عمر إنما أدخل مالك حديث بن أبي حبيبة هذا لأن فيه إيجاب المشي دون ذكر النظر وقد روي عن مالك أن بن أبي حبيبة كان يومئذ قد احتلم وقوله ‏(‏‏(‏ثم مكثت حتى عقلت‏)‏‏)‏ يريد حتى علمت ما يجب علي لا أنه كان صغيرا لا تلزمه العبادات وعلى هذا يجري قول مالك الصغير لا يلزمه حق لله تعالى في بدنه‏.‏